بقلم : أبوذر أحمد محمّد
خَشَعتُ في محرابِ شاعرِ الرومانسيَّة إدريس محمّد جمَّاع في احتفال تجديد " تدشين" طبعة ديوانه "لحظات باقية " بندوة العلاّمة عبدالله الطيّب ظهيرةَ أمس الاثنين السابع من مايو – أيار 2018م.
سَامشِى رَافِعاً رأسي بِأَرضِ النُّبلِ والطُّهْرِ
وَمِن تقديسِ أوطاني وَحُبٍّ في دَمِي يَجرِي
الدمُ لونُ الحياةِ، وإن شئت فهو لونُ الموت أيضاً. ومن عجبٍ أن يُعبِّر عنه السودانيُّون بقولهم " موت أحمر" ، كما عبَّر عنه المعتمِد بن عبَّاد الأندلسيّ :
قبر الغريب سقاك الرائحُ الغادِي حقًّا ظَفِرتَ باشلاءِ ابنِ عبَّادِ
بالحِلمِ بالعِلمِ بالنُّعمَى اذا اتَّصَلَتْ إن أَجدَبُوا بالرِّيِّ للصَّادِي
بالطاعِنِ الضاربِ الرَّامي اذا اقتَتَلُوا " بالموتِ احمرَ" يالضِّرغَامَةِ العَادِي
وَهُوَ لونُ "لحظات" الحياة، لحظاتها " الباقية" تمورُ بها الأحداث مَوْرَاً، ويتصدَّرُ بها الدّيوان:
مِن دَمي أسكبُ في الألحان روحاً عَطِرة
ورؤى النفسِ وانداءُ الأماني النَّضِرة
جمَّاعٌ شاعرٌ فيلسوف يَنشُدُ الانطلاقَ والحريّةَ، وهو حين يَنشُدُها ، لايُرِيدُها رُوحاً بلا معنيً ، ولا شيئا تولَّدَ هكذا عفوَ الخاطرِ، ولكنّها قضيَّةُ الإنسانِ حين يسلبُه إيَّاها الظلمُ متمثِّلا في الاحتلال الذي عاشه الشاعرُ وهو في رِيعانِ شبابه وعنفوان عُمُره، ولذلك جاءت الحريّةُ في مُوحَاهُ حمراءَ قانيةً كما قال أحمد شوقي :
وللحريَّةِ الحمراءِ باب بكلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
يقولُ جمّاع في قصيدته (نسمة الحرية) :
شعبٌ يُغَنّي يومَ عيد فخارِهِْ بأجلّ لحنٍ رنَّ في قِيثارِهِْ
لحنٌ يَفِيضُ حماسةً فكأنَّما تتناثر النِّيرانُ مِن أوتارهِ
إنَّه مَغْنَى الوَتَرِ ومَكانُه الدَّامِي يَصيحُ في وجهِ المُحتَلِّ بذاتِ اللّوْنِ الأحمرِ القانِي في غنائية لا تخفى :
كلَّما اليومُ طاح في دماءِ الشَّفَقْ
عند تلك البِطاح وتبدّى الغَسَقْ
أَثْخَنَتْنِي جراحٌ عندَ ذكرَى الأُوَل
مِن صَريعٍ السلاح في سُفُوحِ الجَبَلْ
دَمُنا قد جَرَى وازدَهى الفاتِحُون
إنَّها "مغاني الشعر طيباً في المَغاني" مكانُها الوَترُ المُحمَرُّ بلحنٍ كلُّه دمٌ يَنشُدُ الحريَّة الحَمراء ، ومكانُها الشَّفقُ الأحمرُ أيضاً:
نحنُ في العالَم شعبٌ طامِحٌ
وَمَضَى عامٌ علَى فَرحَتِنا
في قصيدته " نضال لا ينتهي" مِن وَحيِ الذِّكرى الأولى لعيدِ الحُريَّة :
وَتَولَّى نِصفُ قَرنٍ قَبْلَهُ
مَاجَنَيْنا مِنه إلاَّ بُؤْسَنا
بِدِماءٍ وكِفاحٍ بَرَزَتْ
مِن قَتَامِ الأمْسِ حُرِّيَّتُنا
وَهْيَ لَيستْ حِليةٌ نَلبَسُها
بل حياةٌ لِبَنِي أُمَّتِنا
والذي سالَ دمٌ مِن أجلِهِ
إنَّهُ أقدسُ قُدسٍ عِندَنا
إنَّه لونُ الحياةِ حِينَ تكونُ حياةَ الكرامةِ والحريّة والانطلاقِ الرَّاشد الرَّزين ، إذ كانَ أملُ الأجدادِ وَهُم تحتَ الثَّرى :
أمَلُ الأجدادِ فِي أجدَاثِهم
لو بَدَوْا في ساحةِ العِيد هُنا
والأُلَى قد صُرِعُوا في "كَرَرِي"
وأَيادِيهِم في صُمِّ القَنَا
والأُلَى قَد أَطلَقُوا بُركانَهم
وَجَحِيمُ الظُّلمِ يَعوِى بَيْنَنا
غَرَسُوا النَّخوةَ في تاريخِنا
بِدِمَاهُم وَجَنَيْنَا غَرسَنا