بقلم/ حسن عبد الحميد
الأمين السياسي للإخوان المسلمين
أطلق إعلام العدو الصهيوني أخبارا في الأسبوع الماضي إثر زيارة الرئيس التشادي ديبي إلى دولة العدو مفادها أن الكيان المغتصب يخطط لتكون محطته الثانية الخرطوم؛ وبعدها اشتعلت الأسافير ووسائل الإعلام المختلفة متناولة هذا الخبر بالتحليل والتشريح والتعليق ما بين مستنكر وشاجب ومُدين، وبين نافٍ للخبر، وآخرون ركبوا مراكب الغرابة إن لم نقل الحماقة وتناولوا جواز إقامة علاقات مع العدو المغتصب ودولته المحتلة مع إيراد حجج أوهى من خيط العنكبوت.
ولم أقف ـ حتى كتابة هذه السطور ـ على رأي حكومي رسمي سوداني يتعامل مع هذا الخبر نفيا أو إثباتا؛ وكل التصريحات التي تم إطلاقها جاءت من شخصيات حزبية وإن كانت قيادية في الحزب الحاكم في السودان، لكن لا وزارة الخارجية ولا الرئاسة ولا غيرها من من الأجهزة الرسمية السودانية تعاطت مع الخبر ـ فيما نعلم ـ سلبا أو أيجابا. ولعل هذا الموقف ـ إن صح ـ يحمل عدة دلالات منها تجاهل المؤسسات الرسمية السودانية التعامل مع هذا النوع من الأخبار من جهة أنه لا يستحق التعليق فلا داعي لخوض معركة بلا معترك، ومنها ترك المجال للأجهزة غير الرسمية لتتعاطى معه وتتابع تفاعلاته ثم تتخذ قرارها بحرية تامة وفق نتائج التفاعل.
وعودة إلى موضوع التطبيع الذي أثاره خبر العدو الصهيوني وتفاعل معه الإعلام العربي؛ فإن مسألة التطبيع خاسرة بكافة المقاييس، وخائبة من أي زاوية نظرت إليها، وحقائق الواقع ومقتضيات النظر الشرعي والعقلي كلها تقود إلى النأي عن هذا المستنقع الذي ينشئه التطبيع.
من ناحية شرعية فإن هناك العشرات من الفتاوى الصادرة من عدة جهات علمية شرعية معتبرة منذ عشرات السنين تحرّم التطبيع والتعايش مع دولة الكيان الصهيوني المغتصبة أو تُسلّم له بحق في الأرض المباركة، ذلك أن أرض فلسطين أرض وقف منذ أن فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا يجوز التفريط فيها ولا يملك أي مسلم حق التنازل عن شبر منها، كما أن دولة (إسرائيل) قائمة أساسا على العدوان واغتصاب الحقوق والعنصرية؛ فهي دولة مارقة إرهابية لا يُشرّف الأحرار في كل العالم الاعتراف بها أو التعامل معها كدولة طبيعية.
ومن ناحية واقعية؛ فإن كل الدول التي تعامت عن الحقائق على أرض الواقع وقامت بالتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني لم تجنِ سوى السراب ولم تحصد سوى الهشيم، وأي نوع من أنواع التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب جرّ وراءه سلسلة من الخيبات والخسائر لا تُقدر بثمن معنويا وماديا.
وإن كان ثمة فوائد من الخبر الذي أطلقه الإعلام الصهيوني؛ فإنه قد أعاد مناقشة موضوع التطبيع مرة أخرى، وأكدت الشعوب العربية والإسلامية والأحرار في كل العالم خسارة قضية التطبيع مع العدو الصهيوني، فقد كان الخبر مناسبة ليؤكد الأحرار في كل مكان ألا مجال لتطبيع مع عدو محتل غاشم.